كانت عودة أسطوانات الفينيل ما تزال في بدايتها حين تأسس متجر “برايكواي ريكوردز” في أوستن قبل 16 عاما. يقول مالكه جوشوا لارو إنه اضطر لشراء أسطوانات قديمة ليملأ بها رفوف متجره، ولكن سرعان ما أصبحت ألبومات الفينيل التي تحمل إصدارات جديدة جزءا أساسيا من تجارته.
بعد فترة وجيزة، بدأ محبّو الوسائط االموسيقية غير الرقمية يطالبون بعودة نمط تقليدي آخر، هو أشرطة الكاسيت.
على الرغم من أن استرجاع موضة أشرطة الكاسيت لم يفاجئ لارو، إلا أن ما صدمه كان من يطلبونها. قال: “هناك بعض المسنين يشترون أشرطة الكاسيت، ولكن يمكنني القول إن الأغلبية من الشباب”.
تمثل أشرطة الكاسيت لأبناء الجيل “زد”، حنينا إلى ماض لم يعيشوه، فيما تقدم للفنانين الناشئين وسيلة تمكنهم من إعادة إنتاج أعمالهم بتكلفة منخفضة، ويسهل عليهم إعدادها بأنفسهم، فأقبلوا على أشرطة الكاسيت لإصدار أعمالهم الموسيقية على نطاق ضيق.
سباقات الأغاني
ما تزال أشرطة الكاسيت تحتل مكانة مهمة لدى فناني الصف الأول أيضا. وفقا لمجلة “بيلبورد”، بيعت 1.64 مليون نسخة عينية من ألبوم تايلر سويفت (The Tortured Poets Department) في الأسبوع الأول بعد طرحه، كان منها 759500 قرص مدمج و859000 أسطوانة فينيل ونحو 21500 شريط كاسيت. برغم تواضع مبيعات النسخ المسجلة على وسائط سمعية تقليدية، إلا أنها ما تزال تؤثر بشدة في طريقة احتساب قطاع الموسيقى لسباقات الأغاني.
كان قارع طبول فرقة “بلر” دايف رونتري قال في مؤتمر صحافي في بريطانيا إن ألبوم (The Ballad of Darren) الذي أصدرته الفرقة عام 2023 بيعت منه 3000 نسخة منه على أشرطة كاسيت في الأسبوع الأول، مقابل “ملايين الاستماعات الرقمية عبر (سبوتفاي) وحدها، لكن مبيعات أشرطة الكاسيت كان لها التأثير الأكبر على ترتيب الألبوم في سباقات الأغاني”.
ثمة أسباب أخرى تدفع أسماء مثل بيلي إيليش وكيندريك لامار للاستمرار في إصدار إنتاجاتهم الموسيقية على أشرطة كاسيت، فهم يسعون لتلبية نهم أشد معجبيهم. عندما نشرت دوا ليبا صورة (GIF) متحركة لها وهي تحمل بمرح نسخة كاسيت من ألبومها (Radical Optimism)، كانت تتوجه لأشد معجبيها المستعدين للدفع أكثر من الجمهور العادي لحيازة نسخ عينية من ألبوماتها.
زد على ذلك أن تكلفة إنتاج أشرطة الكاسيت منخفضة، وهذا ما ينعكس على أسعار بيعها. وفيما يصل سعر أسطوانة فينيل لألبوم جديد إلى 35 دولارا، فإن سعر الكاسيت يبدأ عند 10 دولارات، ويمنح المستمع تجربة الاستمتاع نفسها بالموسيقى التناظرية أو غير الرقمية. قد تكون جودة الصوت أدنى، لكنه وسيلة أكثر مرحاً وأسهل حملا.
جرعة دعم بفضل الوباء
قالت شيلي ورسيل، مديرة الإصدارات على الوسائط غير الرقمية في شركة “سيكريتلي ديستريبوشن” : “هذا سعر جيد بالنسبة للشباب الراغبين في جمع ألبومات مسجلة على وسائط عينية لدعم فنانيهم المفضلين .. كانت مبيعات فيبي بريدجيرز الأنشط لدينا العام الماضي لأن أغلب جمهورها من الشباب”.
انطلقت موجة أشرطة الكاسيت هذه مع مسلسلات وأفلام مثل (Stranger Things and Guardians of the Galaxy) الذي تضمن مشهدا مطولا لجهاز “ووكمان” (TPS-L2) من “سوني” يعود للشخصية الرئيسة في الفيلم “بيتر كويل”.
وقد تلقت أشرطة الكاسيت جرعة دعم إضافية خلال الوباء. فالإقبال على الفينيل في ظل الضغط الذي تعرضت له المصانع بسبب اختناقات سلاسل الإمداد دفع بالفنانين والجمهور للاستعانة بأشرطة الكاسيت لتعويض النقص، بحسب أندي أوسبورن، الفنان ومدير عمليات شركات الإنتاج في المنصة الموسيقية “باندكامب”.
أحصت شركة متابعة المبيعات الموسيقية “لومينايت داتا” بيع 436400 شريط كاسيت العام الماضي، أي نحو العدد نفسه المسجل عام 2022. وفي حين ما يزال هذا العدد متواضعا جدا بالمقارنة مع 1988 مثلا حين بيع 450 مليون شريط كاسيت في الولايات المتحدة، إلا أنه أعلى من رقم 81 ألف شريط في 2015، وهذا يكفي لجذب اهتمام رواد الأعمال.
حين قرأ كاتب الإعلانات السابق رومان بودروش مقالة عن زيادة الإقبال على أجهزة “ووكمان” القديمة بوحي من سلسلة أفلام (Guardians of the Galaxy)، أدرك أن الفرصة سانحة في السوق لإصدار جهاز محمول جديد وأنيق لتشغيل أشرطة الكاسيت.
بعد انطلاقة ناجحة على منصة “كيكستارتر” في 2020، بدأ مع شريكه ماتيو مازيير ببيع أجهزة تشغيل الكاسيت تحمل اسم (We Are Rewind) في أواخر 2022. في مارس، دخلت شركة الصوتيات الصينية “في أو إلكترونيكس تكنولوجي” في غوانجو هي الأخرى سوق المنتجات المستوحاة من الماضي.
خاصية صوتية
صحيح أن الظروف الاقتصادية تغيرت، لكن نوعية الصوت الخاصة لم تتغير، وما يزال هذا أحد أسرار جاذبية أشرطة الكاسيت. يستعد رود توماس المعروف باسمه الفني “برايت لايت برايت لايت”، الذي قدّم عروضاً افتتاحية لحفلات فنانين من وزن شير والتون جون، لطرح ألبومه الجديد على شريط كاسيت كما فعل مع جميع ألبوماته السابقة.
إضافة إلى تقديم موسيقاه بنسخة عينية على أشرطة كاسيت، هو يحب أيضا نوعية الصوت التي تتيحها هذه الوسيلة. قال: “إنه شعور أشبه بأن تنظر وأنت تحشف عينيك، وكأن (الموسيقى) بعيدة خطوة عن أذنينا، إنه صوت دافئ جداً”.
حتى ذواقة الصوتيات مثل لارو لا يمانعون الهسهسة وتفاوت الطبقات في أشرطة الكاسيت، فهو شريك في ملهى “إكويبمينت روم” المخصص للموسيقى عالية النقاوة في فندق “ماغدالينا” في أوستن.
تتضمن التجهيزات الصوتية هناك مشغلات أسطوانات قديمة من شركة “تكنيكس” ومكبرات صوت من “كليبش” وأجهزة تضخيم الصوت المعدلة من “مكنتوش” (McIntosh) وجهاز تشغيل كاسيت “ناكاميشي” يعود لعام 1975.
قال لارو: “خلال استعدادنا للأمسية أو خلال تفكيك التجهيزات بعد الانتهاء، نضع شريط كاسيت لفرقة (Blood, Sweat & Tears) أو فرقة (Tower of Power)، إنه أمر ممتع”. كما يستخدم جهاز تشغيل الكاسيت لتسجيل عروض منسقي الموسيقى في الملهى كتذكار لهم.
أما المفاجأة فكانت في نسبة المبيعات العالية لأشرطة الكاسيت الفارغة لدى “بريكاواي”. قال لارو: “يمكن لأي أحد أن يصنع قائمة أغاني على (سبوتفاي)… فكرة جمع باقة موسيقية مختارة ليست بجديدة، ولكن القيام بذلك على وسيلة ملموسة له جذابيته. يشتري الشباب أشرطة كاسيت فارغة ويعدون أشرطة منوعات غنائية كما كنت أفعل حين كنت في عشرينياتي”.
تاريخ شريط الكاسيت
باعت “سوني” أكثر من 200 مليون جهاز “ووكمان” بين طرحها للجهاز في 1979 وتوقفها عن بيعه في الولايات المتحدة عام 2010. وقد نشأت حفنة شركات صغيرة حاولت أن تخلفها في ذلك، أدناه الثلاثة المفضلة لدينا:
على نسق الجيل الأول من أجهزة “ووكمان”، يتميز جهاز تشغيل أشرطة الكاسيت (We Are Rewind) بتصميم مستطيل حاد الزوايا بحجم أصغر بقليل من كتاب صغير. لكنه يختلف عن الجهاز الأصلي من حيث إن به بطارية قابلة للشحن وتقنية “بلوتوث 5.1” تتيح الاستماع إلى الموسيقى لاسلكيا، كما أن به مقبسا لسماعات الرأس السلكية (التي تباع بشكل منفصل) ومقبس إدخال لتسجيل أشرطة كاسيت المنوعات. يتوفر هذا الجهاز المصنوع من الألمنيوم بالألوان البرتقالي والأزرق والرمادي، وقد أُضيف إليها حديثاً اللونان الأسود والأصفر. تغليفه مرح ومزود بقلم رصاص صغير لإعادة لف أشرطة الكاسيت. وسعره يبدأ من 159 دولارا.
يأتي جهاز CP13 من شركة “في أو” بالتصميم المكتنز ذاته مثل جهاز (We Are Rewind)، لكنه يفتقر لخاصيتي التسجيل والبلوتوث. يتوفر هذا الجهاز بالألوان الأحمر والأبيض والأزرق وبصوت أكثر وضوحا وقوة، أما أمد حياة البطارية فيصل إلى 13 ساعة. لا يتجاوز طول هذا الجهاز 12 سنتمترا، ما يعني أن حمله أسهل من (We Are Rewind) الأطول منه بنحو 2.5 سنتمتر. سعره 100 دولار.
يأتي جهاز (CP-81) من “ريتروسبيكت” بنفس حجم جهاز (CP13) تقريبا، لكنه مصنوع من بلاستيك شفاف، ما يساعد على خفض وزنه إلى 218 جراما مع احتساب وزن بطاريتين من قياس (AA)، بالمقارنة مع 311 جراما لجهاز “في أو” و396 جراما لجهاز (We Are Rewind). ومثل الجهاز الأخير، يحتوي (CP-81) على خاصية التسجيل، كما يأتي مع زوج سماعات رأس سلكية مبطنة من “كوس” (Koss) باللون البرتقالي. أما سعره فهو 99 دولارا.