تواجه الولايات المتحدة تهديدا جديدا لريادتها التكنولوجية في العالم لصالح الصين، نتيجة فشل الإدارات الأمريكية المعنية في التعامل مع ملف تخصيص ترددات الاتصالات اللاسلكية للاستخدمات المتنوعة.
وفي تحليل مشترك نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال لوك هوج مدير السياسات والاتصال في مؤسسة الابتكار الأمريكي وجيفري ويستلنج مدير سياسات التكنولوجيا والابتكار في منتدى العمل الأمريكي إن الولايات المتحدة كان يمكنها تجنب نزاعات داخلية عديدة في مجال استخدام وتخصيص ترددات الاتصالات لو أدرك خبراء الوكالات الاتحادية أهمية تكنولوجيات الاتصال التجارية للأمن القومي الأمريكي.
المعروف أن كل الاتصالات اللاسلكية بدءا من أجهزة اللاسلكي قصيرة المدى حتى مراقبة الأطفال عن بعد وأحدث خدمات الإنترنت اللاسلكي “واي فاي” وتطبيقات الجيل الخامس للاتصالات، تستخدم موجات وترددات الراديو لإرسال المعلومات عبر الهواء. وبشكل عام فكل موجة راديو لها تردد مختلف عن الأخرى. وفي مجال الاتصالات يشير تعبير الطيف إلى نطاقات التردد المختلفة المتاحة للاستخدام. وكلما اتسع نطاق الترددات المتاحة زادت كمية البيانات التي يمكن لمشغل خدمة الاتصال إرسالها.
ومع تزايد أهمية الاستخدام التجاري لطيف ترددات الراديو بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، يتعين على الكونغرس وإدارة الرئيس بايدن إنهاء التوترات الحالية والمستقلبية بين مختلف الجهات المستخدمة لترددات الراديو في الولايات المتحدة سواء الجهات التجارية أو العسكرية والأمنية. وأول خطوة في تتمثل في وضع الملف في يد الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات، وإدراك أهمية الاستخدمات التجارية لطيف ترددات الاتصالات لصالح الأمن القومي، وعدم منح وزارة الدفاع الأمريكية الحق الحصري في تحديد ما الذي يخدم الأمن القومي وما الذي لا يخدمه فيما يتعلق بقطاع الاتصالات.
بالطبع تحتاج وزارة الدفاع وغيرها من مؤسسات الأمن القومي الأمريكي إلى استخدام نطاقات الراديو لأغراض الدفاع الوطني. فتوجيه الطائرات المسيرة بدون طيار وتشغيل أنظمة الدفاع الجوي والاتصال مع السفن في البحار وآلاف الأنشطة العسكرية الأخرى تحتاج لاستخدام ترددات اتصالات بلا أي عوائق. في المقابل فإن مسؤولي المؤسسات الأمنية يميلون إلى التقليل من قيمة الاستخدامات التجارية لنطاقات ترددات الاتصالات.
والحقيقة هي أن الاستخدامات التجارية للنطاقات الترددية تمثل عمودا فقريا لمجموعة واسعة من أنظمة الاتصالات الحيوية. وفي العصر الرقمي الذي نعيشه، أصبح وجود شبكات اتصالات تجارية آمنة ومفتوحة أمرا حيويا لدعم كل شيء بدءا من خدمات الطوارئ وحتى بعض العمليات العسكرية. كما أن توفير القدرة على نقل البيانات فورا، حيوي لضمان القدرة على الاستجابة السريعة للطوارئ. معنى ذلك أن عرقلة الاستخدمات التجارية للترددات الاتصالية في الولايات المتحدة يمكن أن يضر بشكل مباشر بهذه العمليات الحيوية. ويرى كل من لوك هوج وجيفري ويستلنج أن العنصر الأكثر أهمية بالنسبة لقيمة الاستخدام التجاري للطيف الترددي في الولايات المتحدة هو التنافس الجيوسياسي المباشر مع الصين من أجل الريادة العالمية في مجال تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية. فإذا فشلت الولايات المتحدة في تطوير ونشر تقنيات الاتصالات اللاسلكية المتقدمة مثل شبكات الجيل الخامس والجيل الجديد من تكنولوجيا الواي فاي، فإنها لن تفقد فقط المزايا الاقتصادية وإنما أيضا تعرض أمنها القومي للخطر. فالتفوق في تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية يترجم إلى قدرات أكبر في مجال الحرب الإلكترونية، لآن أي تقنيات جديدة تتضمن غالبا تحسين خصائص الأمن والحماية من محاولات التجسس والهجمات السيبرانية. علاوة على ذلك فإن الدول الرائدة في تكنولوجيا الاتصالات اللاسليكية تستطيع أن تحدد المعايير العالمية لهذه التكنولوجيا وتؤثر في اتجاه تطور التكنولوجيا وبالتالي يمكنها السيطرة على بروتوكولات أمنها وخصائص الوصول الموجودة في التكنولوجيا وبالتالي تكون لها اليد العليا بالنسبة للدول المستخدمة لها.
ومنذ ثلاث سنوات أصدر باحثون في مركز هارفارد بيلفر للدراسات تحذيرا من مخاطر السماح للصين بالسيطرة على تطوير واستخدام الجيل الخامس لشبكات الاتصالات. وقالت دراسة المركز: “إذا نجحت في ذلك، ستستفيد الصين من كونها أول من طور التكنولوجيا ذات الأهمية التجارية والاستخباراتية والعسكرية الكبيرة”. وبعد نحو ثلاث سنوات من نشر التحذير لم تأخذ الصين زمام الريادة في تطوير ونشر معدات اتصالات الجيل الخامس فقط، وإنما أيضا في تخصيص نطاقات الترددات التجارية وبخاصة النطاقات متوسطة المدى المثالية لشبكات الجيل الخامس للاتصالات.
ويدعو الخبيران الأمريكيان المؤسسات الاتحادية الأمريكية إلى التخلي عن تبني فكرة “السيناريو الأسوأ” عند تقييم المخاطر المحتملة لتخصيص نطاقات الترددات للاستخدمات المختلفة، حتى يمكن لواشنطن منافسة الصين في تكنولوجيا الاتصالات المتقدمة. وعلى الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات وغيرها من الوكالات الاتحادية النظر بصورة أكثر شمولية لمخاطر السماح بالتداخل الضار المحتمل، مقابل مخاطر عدم السماح بدخول لاعبين جدد إلى نطاقات الترددات لمنع التداخل الضار المحتمل.
وفي عصر المنافسة العالمية من أجل السيطرة، والذي تنشر فيه الصين بسرعة أحدث شبكات الاتصالات، لا يمكن أن تتحمل الولايات المتحدة تداعيات استمرار الحروب بين مختلف الجهات الأمريكية حول تخصيص واستخدام نطاقات التردد. لذلك على مسؤولي مؤسسات الأمن القومي والخبراء الأمريكيين إعادة النظر في سياسات استخدام الطيف الترددي، وإعطاء قيمة أكبر للاستخدامات التجارية لتكنولوجيات الاتصالات. وإذا تخلت المؤسسات الاتحادية عن نظرتها الذاتية الضيقة، وإذا استعد الخبراء للتفكير فيما هو أبعد من تحليل أسوأ سيناريوهات تداخل الترددات، يمكن للولايات المتحدة استعادة الريادة في عالم تكنولوجيا الاتصالات.